معايير تقييم المشروعات التنموية وفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية

تركز المشروعات التنموية على تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية للفئات التي تستهدفها كأن توفر لهم الوصول للتعليم والرعاية الصحية الجيدة أو تساهم في بناء البنية التحتية في أماكن تواجدهم أو تعمل على تأهيلهم للحصول على الوظائف اللائقة، وهي تختلف عن المشروعات الأخرى في كونها معقدة وصعبة كونها تعتمد في كثير من الأحيان على تغيير السلوكيات والمعتقدات ولتطلبها موارد كبيرة وعملها في بيئات صعبة، كما أن تأثيرها في أغلب الأحيان يحدث على مدى طويل جدا، بالإضافة إلى تعدد أصحاب المصالح ذو التأثير القوي عليها وهو الأمر الذي يتطلب تنسيق دقيق من قبل القائمين على تلك المشروعات.

وتعد الاختلافات السابق ذكرها هي أسباب عدم القدرة على تقييم أداء تلك المشروعات بنفس أساليب تقييم المشروعات الأخرى والتي يمكن استخدام بعض الحسابات لتقييمها كحساب معدل الربح أو دوران رأس المال وغيرهم.

ونظرا لأنه لابد من تقييم المشروعات التنموية للتأكد من استخدام الموارد بشكل سليم لتحقيق الأهداف والقيام بالمساءلة المطلوبة للقائمين على تلك المشروعات، ولمعرفة ما يصلح وما لا يصلح من أجل تحديد ومعالجة المشاكل المحتملة في تصميم وتنفيذ المشروع وتحسين تصميم وتنفيذ المشروعات والبرامج المستقبلية، فقد ظهرت عدة أساليب لتقييم المشروعات التنموية، ولكن في كل الأحوال يجب أن يعتمد الأسلوب الذي تم اختياره على منهجية سليمة ومعتمدة، وقد قامت لجنة المساعدة الإنمائية بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عام 1991 بوضع معايير تقييم المساعدات الإنمائية في وثيقة بعنوان: مبادئ من أجل تقييم المساعدة الإنمائية، لتشمل خمسة معايير وهي: الملاءمة، والفعالية، والكفاءة، والأثر، والاستدامة. وقد قامت شبكة تقييم التنمية التابعة للجنة المساعدة الإنمائية بتحديث تعريف المعايير عام 2018/2019 لتوافق خطة التنمية المستدامة 2030، كما تم إضافة مقياس جديد وهو مقياس التماسك، كما قامت بإضافة مبدأين توجيهيين يوضحان طريقة استخدامها.

ويعتمد خبراء التقييم على تلك المعايير كمرجع أساسي لتقييم المشروعات والبرامج والسياسات في مجال التنمية والعمل الإنساني والسياسة العامة حيث توفر إطارا لتحديد قيمة أو ميزة التدخل سواء كان سياسة، أو استراتيجية، أو برنامج، أو مشروع، أو نشاط. وفيما يلي عرض للمعايير ومبادئ استخدامها كما وردت على موقع المنظمة[1]:

مبادئ استخدام معايير التقييم:

المبدأ الأول: ضرورة تطبيق المعايير بعناية من أجل دعم التقييمات المفيدة ومرتفعة الجودة.

ينبغي ربط معايير التقييم بالسياق، أي فهمها وفقا لسياق كل تقييم على حدة، ووفقا لنوع التدخل الذي سيتم تقييمه ولأصحاب المصالح المعنيين، وينبغي أن تحدد أسئلة التقييم (أي ما الذي يهدف التقييم إلى التوصل إليه) والنية من استخدام إجابات تلك الأسئلة كيف سيتم تفسير المعايير وتحليلها.

المبدأ الثاني: استخدام المعايير يعتمد على الغرض من التقييم

لا يجب تطبيق المعايير بشكل آلي، بل يجب استخدامها وفقا لاحتياجات أصحاب المصلحة المعنيين وسياق التقييم. ويختلف استخدام الوقت والموارد الموجهة للتحليل التقييمي لكل معيار على حسب الغرض من التقييم، كما تؤثر كل من توافر البيانات والقيود على الموارد والتوقيت والاعتبارات المنهجية على كيفية استخدام كل معيار، وما إذا كان سيتم استخدامه من الأساس أم لا.

معايير التقييم:

1-     الملاءمة: هل يقوم التدخل بالشيء السليم؟ / هل التدخل في محله؟

لأي مدى تستجيب أهداف التدخل وتصميمه لاحتياجات وسياسات وأولويات المستفيدين والبلد والجهات الشريكة والمؤسسات، وستستمر في تلك الاستجابة حتى مع تغير الظروف.

تعني الاستجابة أن أهداف وتصميم التدخل تراعي الظروف الاقتصادية والبيئية والاجتماعية وظروف العدالة، والقدرات في المكان الذي تتوجه إليه.

تشمل الجهات الشريكة والمؤسسات كل من الحكومة (الوطنية، الإقليمية، المحلية)، ومنظمات المجتمع المدني، والكيانات الخاصة، والهيئات الدولية الشريكة في التمويل، و/أو التنفيذ، و/أو الإشراف عليه.

يتضمن معيار الملاءمة النظر في الاختلافات والموازنات بين مختلف الأولويات والاحتياجات، وهو يتطلب تحليل أية تغييرات في السياق لتقييم لأي مدى يمكن تكييف التدخل حتى يظل ملائما.

تعرف الجهات المستفيدة على أنها: الأفراد والمجموعات والمنظمات (سواء مستهدفة أم لا) التي تستفيد بشكل مباشر أو غير مباشر من التدخل الإنمائي، ويمكن استخدام مصطلحات أخرى مثل: أصحاب الحقوق والأشخاص المتأثرين.

2- التماسك: لأي مدى يتوافق التدخل مع غيره من التدخلات؟

مدى توافق التدخل مع التدخلات الأخرى المنفذة في الدولة، أو القطاع (ترابط خارجي مع تدخلات المؤسسات الأخرى)، أو المؤسسة نفسها المنفذة للتدخل (ترابط داخلي مع برامج وتدخلات المؤسسة المنفذة للتدخل).

وهو يعني المدى الذي تدعم التدخلات الأخرى (خاصة السياسات) أو تضعف التدخل، والعكس صحيح. ويشمل ذلك التماسك الداخلي والخارجي حيث يختص التماسك الداخلي بالتضافر والترابطات بين التدخل وغيره من التدخلات التي تنفذها المؤسسة أو الحكومة الواحدة، بالإضافة إلى اتساق التدخل مع القواعد والمعايير الدولية التي تلتزم بها المؤسسة أو الحكومة، ويعني التماسك الخارجي باتساق التدخل مع تدخلات الفاعلين الآخرين في نفس السياق. ويشمل ذلك التكامل والتوافق والتنسيق مع الآخرين، ومدى قيام التدخل بإضافة قيمة بدون تكرار الجهد.

3- الفعالية: هل يحقق التدخل أهدافه؟

وهو مدى تحقيق أو توقع تحقيق الأهداف والنتائج، ويشمل ذلك أي نتائج متفاوتة بين المجموعات.

يشمل تحليل الفعالية الأخذ في الاعتبار الأهمية النسبية للأهداف والنتائج.

يستخدم أيضا مصطلح الفعالية كمقياس كلي لمدى تحقيق التدخل أو توقع تحقيقه التأثيرات المستدامة وذات الصلة بكفاءة وتماسك.

4- الكفاءة: هل يتم استخدام الموارد بشكل جيد؟

وهي مدى تحقيق التدخل أو احتمالية تحقيقه النتائج بشكل اقتصادي وفي التوقيت المناسب.

وتعني اقتصادي: تحويل المدخلات (التمويل، والخبرة، والموارد الطبيعية، والوقت، إلخ.) إلى مخرجات ونتائج وتأثيرات بأكثر الطرق فعالية من حيث التكلفة، مقارنة بالبدائل المتاحة الأخرى في السياق.

ويعني التوقيت المناسب أن العمل تم في الإطار الزمني المحدد أو إطار زمني تم تعديله بشكل معقول وفقا للاحتياجات المتطورة للسياق، وهو ما قد يشمل تقييم الكفاءة التشغيلية (لأي مدى تم إدارة التدخل بشكل جيد).

5- الأثر: ما الفرق الذي أحدثه التدخل؟

مدى قيام التدخل بإحداث أو التوقع بقيامه بإحداث آثارا مهمة وذات مستوى مرتفع سواء كانت إيجابية أو سلبية أو كانت مقصودة أو غير مقصودة.

يتطرق معيار الأثر إلى آثار التدخل ذات الأهمية القصوى والطابع التحويلي المحتمل.

ويهدف إلى تحديد الآثار الاجتماعية والبيئية والاقتصادية للتدخل، الأطول في المدى والأوسع في النطاق من تلك الآثار التي سبق تناولها تحت معيار الفعالية. وفيما وراء النتائج الفورية، يهدف المقياس إلى تسجيل عواقب التدخل غير المباشرة والثانوية والمحتملة، عن طريق فحص التغيرات الشاملة والدائمة في الأنظمة والقواعد والتأثيرات المحتملة على رفاهية الناس، وحقوق الإنسان، والمساواة بين الجنسين، والبيئة.

6- الاستدامة: هل ستدوم المنافع؟

مدى استمرار أو احتمال استمرار المنافع الصافية للتدخل بعد انتهاء المشروع وتوقف الموارد.

تشمل فحص القدرات المالية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والمؤسسية للأنظمة اللازمة للحفاظ على المنافع الصافية مع الوقت.

يتضمن تحليل القدرة على الصمود وتحليل المخاطر والموازنات المحتملة. ووفقا لوقت التقييم، فقد يشمل تحليل التدفق الفعلي للمنافع الصافية أو تقدير احتمال استمرار المنافع الصافية عل كل من المدى المتوسط والمدى الطويل.

ويتم تطبيق بعض أو كل من المعايير السابقة بالأخذ في الاعتبار سياق التدخل والغرض من التقييم الذي سيتم، ونوع التدخل نفسه الذي سيتم تقييمه، واحتياجات أصحاب المصالح المختلفين من التقييم وأولوياتهم للمعايير، وما إذا كان هناك قيود معينة سواء في الوصول للفئات المستهدفة أو البيانات أو الموارد، وأخيرا توقيت التقييم بالنسبة لمراحل التدخل المختلف.


[1] OECD, Evaluation criteria, https://www.oecd.org/dac/evaluation/daccriteriaforevaluatingdevelopmentassistance.htm

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *