أربعة عوامل تؤثر على نتائج استطلاعات الرأي – بقلم أ. سلمى يحيى حسني

يمثل الرأي العام سلطة غير معلنة حيث تأخذ الكثير من القيادات والحكومات الرأي العام والتوجهات السائدة بعين الاعتبار عند اتخاذ أي قرار يمس جموع الجمهور. ومن هنا تأتي أهمية استطلاعات الرأي في كل المجالات. ولكن هل سأل أحدنا ما إذا كان هذا الرأي ونتائجه معبرة عن جموع الجمهور، وتمثله بالصورة الصحيحة التي تمكن متخذي القرار من المضي قدما في تطبيق آليات تنفيذ القرارات وتوقع النتائج المترتبة عليها لتفادي الاصطدام المباشر بالجمهور ورفضه لتبعيات القرار أو عدم تقبله له في أي مرحلة من مراحل تطبيقه، وبالتالي عدم تحقيق الغايات الكلية من وراء اتخاذ القرار المعني؟ لذلك فنحن نلقي الضوء في تلك السطورالقليلة  علي بعض العوامل المؤثرة علي استطلاعات الرأي العام ونتائجها والتعرف علي أثر كلا منها.

أولا حجم العينة:

تعد العينة هي ذلك الجزء من المجتمع الذي تمثله وتحقق أغراض البحث العلمي وتغني الباحث عن مشقات دراسة المجتمع الأصلي, لكن اختيار حجم العينة المناسب يعد واحد من أهم الإشكاليات التي تواجه الباحثين .ورغم أننا نجد أن هناك العديد من المعادلات الرياضية والإحصائية التي يمكن استخدامها لحساب حجم العينة المطلوب ولكن أيعد ذلك كافي؟ بالطبع تلك القوانين الرياضية والإحصائية ضرورية ولكنها ليست كافية لتحديد حجم العينة المناسب، حيث نجد أن هناك العديد من الاعتبارات الأخرى عند اختيار العينة. فمثلا كلما كان هناك عدد أكبر من المتغيرات التي ليست تحت سيطرة الباحث، كلما زاد حجم العينة المطلوبة لكي تكون كافية لدراسة وتمثيل المجتمع. ايضا نجد أنه كلما كان المجتمع متباين تبايناً عالياً في المتغيرات موضع الدراسة أو إذا كنا نبحث عن فروق صغيرة أو علاقات ضعيفة بين أفراد المجتمع، فإننا في كلتا الحالتين بحاجه إلي عينة  كبيرة نسبيا .ونجد أن النقيض صحيح حيث كلما زاد تجانس المجتمع كلما كان الحجم المطلوب للعينة أصغر.

قد نجد أنفسنا أمام بعض الحالات التي يضطر فيها الباحث إلي تقسيم العينة الأصلية إلي عينات فرعية، ففي تلك الحالة نجد أنه يزداد حجم العينة المطلوب، بجانب أن درجة دقة البيانات ومدي مطابقتها للواقع ليست بمعزل عن حجم العينة التي يختارها الباحث لتحقيق باقي أهداف بحثه. ولكنها تعد مشكلة غاية في الأهمية حيث نجد أنه يجب دائما الموائمة بين درجة الدقة المطلوبة وحجم العينة المقترح في غضون التكلفة المتاحة.

قد يضطر الباحث في بعض الحالات إلي اختيار عينة حتي وإن كانت هناك الموارد الكافية لدراسة المجتمع ككل فمثلا عند إجراء التحاليل الطبية فانه يتم أخذ عينة صغيرة من الدم وليس الدم كله.نجد أيضا أنه عند قياس جودة بعض المنتجات فانه يتم أخذ عينة فقط من الإنتاج لاختبارها وليس الإنتاج ككل.

يتضح من السابق ذكره أن للعينات أهمية كبيرة عند دراسة الرأي العام حيث أنها توفر الموارد المتمثلة في الوقت والجهد والأموال. ولكن اختيار عينة ذات حجم مناسب ليس بالأمر اليسير, حيث أن الباحث يكون بحاجة لدراسة شاملة عن طبيعة المجتمع وطبيعة الدراسة والأهداف المرجوة منها.

ثانيا كيفية اختيار عينة ممثلة:

سبق وذكرنا أن العينة هي جزء من المجتمع التي تتضمن خصائص المجتمع الأصلي الذي نرغب في التعرف عليه، ولكن لكي تصلح النتائج التي نحصل عليها لابد وأن تكون العينة ممثلة للمجتمع تمثيلا صحيحا، حيث يمكن تعريف العينة الممثلة للمجتمع بأنها تلك التي يكون لجميع مفردات المجتمع الأصلي فرص متساوية في الظهور فيها ويكون لكل مفردة في العينة درجة احتمالات معروفة يفترض وجودها بين باقي مفردات تلك العينة.

هنا نجد أنفسنا أمام سؤال موضوعي وهو هل كل العينات بالضرورة ممثلة ؟ تنقسم العينات إلي نوعين أولهما العينات الممثلة للمجتمع والتي سبق ذكرها والتي تتمثل أهميتها في أنها تعطي صورة مصغرة للمجتمع ككل يتضح فيها خصائص المجتمع وبالتالي يمكن تحليلها وبناء استنتاجات عليها وتعميمها علي المجتمع بعد ذلك، أما النوع الأخر فهو العينات الغير ممثلة للمجتمع ككل، ويتفرع منها أنواع عديدة وتتميز تلك العينات بأنه ليس بالضرورة أن يكون لكل مفردة في المجتمع فرصة متساوية  للظهور في العينة. لكن ليس معنى ذلك بأن هذا النوع من العينات ليس له أهمية، فعلي النقيض نجد أن في بعض الحالات يكون من الأفضل استخدام عينة غير ممثلة، وقد يكون من المدهش معرفة أن العينات الغير ممثلة تسود بصورة واسعة لأنها غالبا ما تكون ملائمة وذات تكلفة أقل في بعض الحالات. فمثلا إذا كانت كل عناصر المجتمع غير معلومة للباحث أو أن حجم العينة المطلوب صغير جدا، وأيضا مفيدة في حالة  الدراسات التحليلية والتجريبية ولكنها غير ملائمة للدراسات الوصفية لأنها في النهاية تنتج عينات غير ممثلة للمجتمع فبالتالي لا يمكن استخدامها من أجل وصف المجتمع.

من هنا يتضح أن كلا من أنواع العينات له أهميته الخاصة به علي حدة وله مجالات تطبيقه وأن السبيل الوحيد لاختيار عينة ممثلة للمجتمع هو أن تكون جميع مفردات المجتمع معلومة وأن يكون لكل منها فرصة متساوية للظهور في العينة.

ثالثا أخطاء وتحيزات استطلاعات الرأي:

دائما ما يسعي الباحثون للحصول علي معلومات وبيانات أكثر دقة في استطلاعات الرأي وذلك من خلال محاولة تقليص الاخطاء والتحيزات بقدر المستطاع، وهذا ينقلنا إلي سؤال لابد وأن يثيره العقل هنا, وهو ما الفرق بين الأخطاء والتحيزات الاحصائية؟

يمكن تعريف الخطأ بأنه الفرق بين متوسط القيم التي تم الحصول عليها من الدراسة ومتوسط القيم الحقيقية للسكان المستهدفين. لكن يجب الإشارة هنا أن نسبة الخطأ تمثل جميع العيوب في الدراسة البحثية، وهذه العيوب كثيرة لا يمكن حصرها بسهولة. ولعل أبرز أمثلتها هي الأخطاء التي قد تنتج بسبب استبعاد جزء من السكان المستهدفين من الدراسة، أو استخدام عينة بدلا من الاعتماد الحصر الشامل للسكان المستهدفين، أو قد تكون المعلومات غير متاحة لبعض المفردات المتضمنة في الدراسة، أو أن استمارة الاستبيان قد تكون معقدة ويصعب فهمها أو قد تكون مضللة وبالتالي تخلق نوعا آخر من الخطأ. ويمكن أيضا أن يأتي الخطأ من المستجيبين لاستمارة الاستبيان حيث يمكن أن يعطي بعضهم إجابات غير صحيحة إما عن تعمد في إخفاء الحقيقة أو بسبب الفهم الخطأ لاستمارة الاستبيان. هنا نجد أنه غالبا ما يكون هناك علاقة عكسية بين الأخطاء الاحصائية وحجم العينة فبالتالي كلما أراد الباحث الحصول علي مستوى أقل من الأخطاء، كان عليه زيادة حجم العينة والتي تتطلب موارد أكثر من حيث الوقت والجهد والنفقات. فانه كما سبق الإشارة في الجزء السابق أن نسبة الخطأ لا يتم تحديدها بمعزل عن حجم العينة المستخدمة.

أما التحيز فإنه يعرف بأنه انحراف متوسط جميع تقديرات متغير معين بعد أخذ جميع العينات الممكنة عن القيمة الحقيقية لهذا المتغير. يتصف التحيز بأنه ثابت القيمة وتوجد صعوبة في التقليل أو التخلص منه وهو بعكس الأخطاء لا يرتبط بحجم العينة. توجد أنواع عديدة من أخطاء التحيزات منها التحيز في الاختيار، والتحيز في التقدير. ويمكن التغلب علي أخطاء التحيزات من خلال اختيار جميع مفردات العينة بصورة عشوائية، أو إجراء عينة استطلاعية لكشف التحيز، أو عدم استبدال أي مفردة تم اختيارها في العينة بواحدة أخري.

يتضح مما سبق أن هناك العديد من الاسباب وراء الأخطاء والتحيزات في استطلاعات الرأي والمسوح الاحصائية ولكن يمكن التغلب علي كل منها من خلال معرفة الأسباب المؤدية إليها ومحاولة التغلب عليها. لكن يجدرالاشارة هنا أنه لا يمكن التخلص من الأخطاء والتحيزات بصورة كاملة وإنما دائما ما يسعي الباحث إلي تقليلها بقدر المستطاع في محاولات للحصول علي بيانات أكثر دقة وتمثيلا للواقع.

رابعا الأوزان الإحصائية وأهميتها:

دائما ما يسعي الباحث إلي الحصول علي عينة ممثلة فسبق وذكرنا أن العينة ما هي إلا نسخة مصغرة من السكان المستهدفين,ولكي تكون العينة ممثلة للسكان تمثيلا صحيحا لابد وأن تكون انعكاس واضح لكل الخصائص التي تتواجد في السكان المستهدفين. فمثلا إذا كانت نسبة النساء العاملات في المجتمع 20% فانه من المفترض أن يكون تمثيلهم في العينة بنسبة 20%, وقد يكون ذلك أمر سهل المنال أحيانا ولكن في بعض الأحيان قد يكون من الصعب علي الباحث أن يصل بالعينة إلي أن تكون نسخة مصغرة من السكان المستهدفين في جميع خصائصهم, وقد يرجع ذلك إلي التحيز في الاختيارأو التحيز في التقدير أو استبدال مفردة بأخري.

هنا يأتي السؤال: ما الذي يجعل الباحث يستبدل مفردة بأخري؟  قد يكون ذلك بسبب البعد المكاني وتزايد الموارد المستهلكة من وقت وجهد ونفقات، حيث يكون من الصعب في معظم الأبحاث الوصول لمدن الصعيد أو الأماكن البعيدة نسبيا، لذلك يضطر الباحث أن يستبدل بعض المفردات من تلك المناطق بأخري سهل الوصول إليها، وبالتالي يحدث خلل ونوع من التحيز للأماكن القريبة علي حساب الأماكن البعيدة. وأحيانا قد لا يتعلق الأمر بالبعد المكاني ولكنه قد يكون بسبب اجتماعي بحت، حيث وجد أنه من الصعب عادة الوصول إلي الأشخاص الأكثر فقرا والأكثر ثراءً لذلك يلجأ  الباحث إلي اختيار عدد أقل من المفترض. لكن هل يمكن إتمام البحث بتلك الصورة ؟ بالطبع لا. هنا تأتي أهمية الأوزان الإحصائية التي قد تحد من أثر التحيز الذي يضطر الباحث أحيانا إلي استخدامه.

إذا كان من الطبيعي أن يكون لكل مفردة وزن واحد صحيح، فنجد أنه إذا كانت هناك مفردات ممثلة في العينة بنسبة أقل من تسبتها في السكان المستهدفين فإن الوزن النسبي لها يكون أكبر من الواحد الصحيح، أما إذا كانت بعض المفردات ممثلة في العينة بصورة أكبر من نسبتها في السكان المستهدفين فإن الوزن النسبي لها يكون أقل من الواحد الصحيح.ونجد أن الهدف الواضح للأوزان النسبية هو أن يصل الباحث بالعينة أن تكون صورة  ممثلة وصحيحة للسكان المستهدفين.

مما سبق يمكن استنتاج أن هناك العديد من العوامل التي توثر علي استطلاع الرأي العام, وأن لكل منها أثر قد يتفق أو يختلف مع غيره من العوامل. لكن يجب دائماً الأخذ في الأعتبار أننا نتعامل مع عينة،  مجرد جزء من السكان المستهدفيين، لذلك فان الباحث يلجأ إلي استخدام كافه السبل والأدوات الأحصائية رغبةً في الوصول بالعينة إلي أعلي درجات من مطابقة الواقع لتساهم في استطلاع الرأي العام بصورة صحيحة ويكون لتلك الدراسات أثر فعال في اتخاذ القرارات السليمة.

References:

*Kish, Leslie (1965), Survey Sampling, Wiley Classics Library Edition Published 1995

Cochran, W. G. (1977) Sampling Techniques, third edition.*

*Sample Survey: Methods and Theory, John Wiley & Sons, New York, USA.

Levy, Paul S. and Stanley Lemeshow (2008)

*Sampling Techniques, third edition. John Wiley & Sons.

Hansen, Morris H., William N. Hurwitz and William G. Madow (1953)

*Sampling of Populations: Methods and Applications, fourth edition, John Wiley & Sons, New York, USA.

ملحوظة هامة: هذا المقال يعبر عن رأي صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *