استطلاعات الرأي العام: الدور والتأثير- بقلم أ. أحمد عبد الرحمن خليفة وأ. أحمد محمد بسيوني

مقدمة:

يُعد الرأي العام في المجتمع الديمقراطي بمثابة “المحرك الذى يحفظ للعجلات دورانها”[1]، لذك فإن استطلاع هذا الرأي والتعرف عليه لم يصبح ضرورة سياسية وحسب، وإنما اقتصادية واجتماعية أيضًا.لا شك أن الرأي العام واستطلاعاته لم تصبح قوة من فراغ، بل هي نتيجة حتمية لأوضاع اجتماعية وسياسية، وتقدم علمي وتكنولوجي[2] ليس له مثيل من ذي قبل.

وفى هذا المقال –الموجز- نستعرض بمنهج مسحي الدراسات الحديثة التي تناولت استطلاعات الرأي ودورها؛ في محاولة لتجميع المتفرق ونسج المشتت.

المفاهيم الواردة:

الرأي العام:

        لا يوجد تعريف شامل وجامع له، وعليه  نتخذ لهذا المفهوم مجموعة الخصائص التالية[3]:

  • وقوع حدث مهم له صلة بمصالح غالبية أعضاء المجتمع أو إحدى جماعاته.
  • تفاعل أفراد المجتمع مع الحدث.
  • من حصيلة هذه الحوارات يتكون رأى عام غالب، اصطلح تسميته “بالرأي العام”.

ولكن تكوين رأي عام قوي يحتاج إلى قدر وافر من الحرية وضمانتها، ليقوم بدوره كالترمومتر الذي يقيس لا درجة حرارة الجو بل الجمهور[4].

استطلاعات الرأي العام:

        وهو وسيلة فنية، تستهدف استشراف اتجاهات الرأي العام”[5] من خلال التعرف الفوري على الرأي العام حيال قضايا معينة[6]. وبالتالي، فإن استطلاع الرأي هو تقصي رأي فئة أو مجموعة من أفراد المجتمع بهدف التعرف على توجهها تجاه قضية أو مجموعة من القضايا التي تشغل المجتمع وصانع القرار.

أولاً: أهمية استطلاعات الرأي:

تكمن خطورة استطلاعات الرأي العام في أنها أحد أهم محددات أولويات المجتمع والتعرف على قيمه السائدة[7]، ومن ثم فهو يضع البدائل ويبين الأسس والمبادئ التي يجب بناءً عليها التعامل مع القضايا المختلفة، بالإضافة إلى المساهمة في حسن التخطيط المستقبلي.

كما أنه بمثابة حلقة الوصل بين المجتمع بقواه المختلفة وفئاته وصانع القرار السياسي[8]، فهو ما شبهه بعض العلماء “بالرادار الذي يوجه قائد الطائرة”[9].

ثانيًا: دور الاستطلاعات:

  • في المجال الاقتصادي:

 لقد أصبح العميل هو مركز الاهتمام في التسويق الحديث، وشهد ذلك المجال طفرة هائلة في مجال استطلاع آراء الأفراد تجاه المنتج المقدم لهم، أو من خلال ما يُعرف بدراسات السوق.

ولذلك تحرص كافة القطاعات الاقتصادية المنتجة على تقصي آراء المستهلكين تجاه المنتجات المقدمة لهم.

كما بدأت الحكومات -كوسيلة لتشجيع الاستثمار- في استطلاع آراء المستثمرين حول قوانين الاستثمار، ووضع حلول لمشكلاته، ومن ذلك ما قمت به الهيئة العامة للاستعلامات –مصر- عام 2016  لتلقي آراء المستثمرين حول كيفية تهيئة مناخ أفضل للاستثمار في البلاد.

كما لم تعد تستخدمها -أي الاستطلاعات- الحكومات في مجالات بعينها، بل بمجمل النظام الاقتصادي برمته، ومدى ضرورة تدخل الدولة وحدود دورها في النشاط الاقتصادي.

وحديثًا تنبهت البنوك بأهيمة هذه الاستطلاعات في خدمة عملائها والحفاظ عليهم وجذب جدد منهم، وقد نشط “البنك الأهلي الأردني[10]” في ذلك.

  • في المجالات السياسة:
  • إضفاء الشرعية اللازمة لتصرفات الحكومة تجاه الجماعات أو بعض قطاعات المجتمع، كما أسهمت في التعرف على ردود الفعل الشعبية تجاه السياسات الحكومية والأحداث.

ولعل ما حدث مؤخرًا من محاولة انقلاب على الحكومة والرئيس التركيين ليلة 15 يوليو، وما أعقبه من إجراءات عقابية مثالاً واضحًا على ذلك؛ فقد قامت مؤسسة “آندى آر لقياس الرأي العام” باستطلاع رأي أعلن خلاله عدد كبير دعهم لسياسات الحكومة، وموافقتهم على محاكمة “فتح الله كولن وأعوانه” بنسبة تجاوزت 75% من المستطلعة آراؤهم[11]، وهو ما وفر إطارًا شرعيًا وشعبيًا لمطالب أردوغان بتسليم الأخير إلى تركيا؛ وبالتالي اتخاذ القرارات المناسبة واقتراح تشريعات ذات شعبية.

  • تلعب دورًا مؤثرًا في الانتخابات:[12]

في الدول الديمقراطية، بحيث يتوجه الدعم المادي والمعنوي للمرشح الأكثر شعبية في استطلاعات الرأي، ويكون صاحب فرصة أكبر في حصد أصوات المترددين، ومثال على ذلك استطلاعات انتخابات الرئاسة الأمريكية 2008، والتي دفعت الدعم المالي والمعنوي لأوباما. وتستخدم أيضًا في وضع البرامج الانتخابية، ويستخدمها صناع القرار لزيادة شعبيتهم أو الدعاية لبرامجهم ومرشدًا في قراراتهم[13].

  • مؤشرًا لقياس مدى نجاح مختلف السياسات ومدى فعالية برنامج أو شعبية حزب معين[14].
  • توفر إمكانية التنبؤ بالمواقف السياسية المحتملة إزاء التطورات الممكنة[15].
  • وسيلة لتوسيع دائرة الاهتمام بالقضايا والشئون العامة؛ بالتالي توسيع نطاق المشاركة السياسية.
  • عامل في حسم النزاعات الحدودية بين الدول:

وإن لم يكن العامل الرئيس، إلا أن بعض الشواهد التاريخية تدلل على حرص المنظمات الدولية على استطلاع آراء سكان منطقة متنازع عليها بين دولتين كأحد العوامل لحسم نزاع حدودي بين دولتين، ومثال ذلك ما قامت به لجنة التحقيق التابعة “لعصبة الأمم” في النزاع الحدودي بين تركيا والعراق على (الموصل وكركوك)1924، وفضل السكانُ العراقَ، واعتمد مجلس العصبة ذلك عام 1925؛ لتضم رسميًا الموصل إلى العراق[16].

  • مؤشرا للتوجهات الخارجية:

حيث تحرص الدول على أن تدعم سياستها الخارجية بآراء مواطنيها؛ خصيصًا أن الخارج هو امتداد للداخل. وعلى سبيل المثال يظهر 57% من الأمريكيين رغبتهم في أن تبقى الولايات المتحدة بعيدة عن الشؤون الداخلية للدول الأخرى[17]، وهو ما لعب على وتره المرشح حينذاك دونالد ترامب (الذي فاز بالرئاسة بعد ذلك)، وهو ما كان أيضًا محددًا لتوجهات أوباما الخارجية وسحب جنوده من البلدان الأخرى.

في المقابل نجد أن الرأي العام التركي مؤيد نحو الانجذاب للغرب والانخراط في شئونه، والحد من التدخل في الشرق الأوسط، وهو ما انعكس على سياسات تركيا الخارجية.

  • الاستفتاء كوسيلة رسمية لاستطلاعات الرأي العام:

الاستفتاء هو عملية رسمية تطرح من خلالها قضية كبرى تشغل المجتمع لاستطلاع آراء الشعب بصددها، وتتدرج بدءًا من التصديق على قانون أو معاهدة، مرورًا بالنزاعات الحدودية، انتهاءً بتقرير المصير أو نيل الاستقلال. ولا شك أن استطلاعات الرأيالتي تسبق الاستفتاءات تلعب دورًا مهمًافي بيان اتجاهات المستفتيين إن لم تكن مؤثرة في حسمها، ومن ذلك استطلاعات الرأيالتي سبقت “الاستفتاء على خروج بريطانيا” من الاتحاد الأوروبي، والتي بالفعل أيدت الخروج وحسمت أصوات المترددين لصالحه.

  • في المجالات الاجتماعية:

يهدف أي استطلاع إلى معرفة كيفية كيف يفكر الناس؟ وبم يشعرون؟ ومن ثم فهي أسئلة إجابتها نفسية اجتماعية بالأساس، وإن اختلفت الظواهر، ويتلخص دور استطلاعات الرأي في المجالات الاجتماعية فيما يلي:

  • توضيح ميولات واتجاهات المجتمع[18]، والتي على أساسها يضع صانعو القرار سياستهم الاجتماعية.
  • الكشف عن قيم المجتمع ومدى تطورها.
  • أصبح يستخدم في الأعمال الاجتماعية شتى، وبخاصة العمل المدني والخيري.
  • وسيلة لترتيب سلم الأولويات الاجتماعية، وتوفير مؤشرات صحيحة للخيارات المثلى.
  • بحث آراء الشعوب في مستوى الخدمات الاجتماعية المقدمة لهم من تعليم وصحة وغيرهما.
  • تحسين صورة المجتمع والدولة أمام العالم الخارجي:

فمثلا التأكيد المتكرر لاستطلاعات الرأي العام العربي تجاه قضايا الإرهاب وداعش، وعدم التأييد لهذه العمليات يحسن من الصورة الذهنية “للعرب والمسلمين” لدى العالم الخارجي، وأفاد 89% من المستطلعين وفق المؤشر العربي نظرتهم السلبية لتنظيم داعش وما يقوم به من أعمال[19].

 

الخاتمة:

لقد خلصت المقالة إلى مجموعة من النتائج في مجالات تأثير استطلاعات الرأي العام:

  • في المجال الاقتصادي:

    ساهمت في زيادة النشاط الاقتصادي في مجمله، من خلال محاولة الوصول لأقصى درجة من رضا العميل أو المواطن؛ فأصبحت تستخدمه الشركات والبنوك، كما الحكومات والمنظمات.

  • في المجالات السياسية:

    وهي الأكثر استخدامًا وتأثيرًا في الحياة السياسية، وفي رسم السياسيات الداخلية والخارجية للدولة، وهي أول ما ظهر فيها استطلاعات الرأي حول الانتخابات والاستفتاءات، ثم سرعان ما بدأت تستشري في معظم الجسد السياسي.

  • في المجال الاجتماعي:

    يمكن القول إن استطلاعات الرأي العام هي في الأساس أداة اجتماعية نفسية؛ فهي كاشفة للسلوك وميولات الأفراد، بل والمجتمعات إزاء بعضها البعض.

لذلك لم تعد الاستطلاعات مجرد أداة بحثية، بل أداة سياسية، واقتصادية، واجتماعية وأكثر[20]، يهتم بها المجتمع ومتخذ القرار على السواء، فهي مرشد للأخير من ناحية وموجه للأول من ناحية أخرى. وغنى عن البيان أنه كلما زادت حيوية المجتمع وقوته كلما زاد تأثير تلك الاستطلاعات، وحرصت الجهات القائمة على شفافيتها.

الهوامش:

[1] محمد سعد أبو عامود،الرأي العام والتحول الديمقراطي، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية، 2010، ص 112.

[2] مختار التهامي، عاطف عدلي العبد، الرأي العام، الناشر: مركز بحوث الرأي العام كلية الاعلام جامعة القاهرة، 2005 ص 16. pdf

[3] المرجع السابق،ص 8-9.

[4] أحمد سويلم العمرى،مجال الرأي العام والاعلام، الهيئة العامة للكتاب، 1975، ص 9.

[5] سامر أبو رمان، استطلاعات الرأي واستخداماتها في العمل الخيرى،مجلة مداد، المركز الدوليللأبحاث والدراسات، العدد الأول ص 158.

[6]مختار التهامي، عاطف عدلي العبد، مرجع سابق، 2005 ص 145. pdf

[7]ابراهيم قلواز، استطلاعات الرأى ودورها في تحديد التوجهات العامة للمجتمع، منتدى الحوار المتمدن، المنشور بتاريخ 31-10-2014، تاريخ الدخول 11-9-2016.http://www.m.ahewar.org/s.asp?aid=439577&r=0.

[8] نفس المرجع السابق.

[9]أحمد سويلم العمرى،مرجع سابق، ص70.

[10] ويقوم البنك باعداد استطلاع رأى لعملائه كل عام، لأخذ الاراء حول الخدمات المقدمة لهم ومدى جودتها، المصدرhttp://jordan.smetoolkit.org/jordan/ar/content/ar/401/%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%B5%D8%A7%D8%A1-%D8%B1%D8%B6%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%A1:

[11] المصدر:http://www.turkpress.co/node/24555،  تاريخ الدخول: 11-11- 2016. وقد أجرى الاستطلاع في 19 تموز/ يوليو الماضي على 1496 شخصًا.

[12] محمد سعد أبو عامود،الرأي العام والتحول الديمقراطي، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية، 2010، ص 112.

[13] ابراهيم قلواز، مرجع سابق.

[14] نفس المرجع السابق.

[15]محمدسعدأبوعامود،الرأىالعاموالتحولالديمقراطى، مرجع سابق، ص107.

[16]انظر المثال: ايمان دني، الدور الإقليمى لتركيا فى الشرق الاوسط بعد الحرب الباردة، مكتبة الوفاء القانونية، الاسكندرية،ط1، 2014، ص223. pdf

[17]  استطلاعات الرأى والسياسة-دراسة في الانتخابات الأمريكية، منشور بتاريخ 03-09-2016، تاريخ الدخول 18-09-2016،

http://www.bayancenter.org/2016/09/2397/.

[18] ابراهيم قلواز،استطلاعات الرأى ودورها في تحديد التوجهات العامة للمجتمع، مرجع سابق.

[19] المؤشر العربى 2015، برنامج قياس الراى العام العربى، المركز العربى للابحاث ودراسة السياسات، قطر، 2015، ص 357. pdf

[20] سامر أبو رمان، استطلاعات الرأى واستخداماتها في العمل الخيرى،مجلة مداد، المركز الدولى للابحاث والدراسات، العدد الأول ص 156.

ملحوظة هامة: هذا المقال يعبر عن رأي صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *