استطلاعات الرأي … السهل الممتنع – شيماء قدري- جريدة الشروق

لقد أصبح الرأي العام المصري محط أنظار الجميع بشكل غير مسبوق، حيث أصبح المواطن المصري من مجرد متلقي للقرارات والسياسات إلى مشارك رئيسي في تشكيل القرارات والسياسات، لذلك كان من الطبيعي أن يتجه الاهتمام بالتبعية إلى كيفية معرفة وقياس رأي المواطنين المصريين، حتى بات قسم استطلاع الرأي قسم رئيسي في كل الجرائد والمواقع الالكترونية، بالإضافة إلى اهتمام العديد من الجهات المحلية والدولية به، لدرجة أن مطوري موقع الفيس بوك أضافوا تطبيق جديد لصفحات المشتركين بحيث يمكِّنهم من استطلاع آراء أصدقائهم في دقائق معدودة.

وقد يظن البعض في ظل هذا الزخم من استطلاعات الرأي أن الموضوع أبسط ما يكون، فمن منا لا يقوم بإلقاء عشرات الأسئلة يوميا والإجابة على عشرات مثلها، ولكن الحقيقة أنه ليس بهذه البساطة. ففي الحقيقة لا تعد قراءة وتفسير نتائج استطلاعات الرأي بالشئ الهين خاصة إذا لم يكن قارئها على علم ببعض الأشياء والتي سأحاول أن أذكر أهمها في السطور القادمة.

أولا: استطلاعات الرأي ليست بالضرورة معبرة عن المجتمع المصري ككل. فحتى يعبر استطلاع الرأي عن المجتمع المصري ككل يجب أن يكون هناك ضمان أنه تم تمثيل جميع فئاته العمرية والتعليمية المختلفة، كما تم تمثيل كل المناطق والمحافظات به. ولا يشترط هنا عدد معين من المجيبين (وإن كان يفضل ألا يقل عن 1000 مجيب) بقدر ما يشترط أن يتم اختيار من تم استطلاع رأيهم بطريقة عشوائية (أي أن كل شخص منا كان له نفس الفرصة في الاختيار للإجابة على أسئلة الاستطلاع). وفي هذا فإن علم الإحصاء ملئ بالأساليب التي تضمن ذلك عن طريق الاختيار الأمثل للعينة العشوائية وحجمها والتحليلات الإحصائية التي تتم على نتائج الاستطلاع بعد جمع بياناته لضمان تمثيله كل فئات المجتمع وهو ما يعرف باستخدام الأوزان الإحصائية. ومن هذا المنطلق فإن استطلاعات التي يتم إجراؤها على صفحات المواقع/الجرائد/البرامج لا تمثل المجتمع المصري بل تمثل فقط مشتركي هذه المواقع/ الجرائد/البرامج. كما يؤخذ على هذه الاستطلاعات أيضا أن المجيبين هم من اختاروا المشاركة فيها ولم يتم اختيارهم من قبل منفذي الاستطلاع بطريقة عشوائية، لذلك فلا يمكن الاعتداد بنتائجها في تمثيل المجتمع. ولعل أبرز مثال على ذلك ما جرى عند الاستفتاء على التعديلات الدستورية، فبينما كانت استطلاعات الرأي على المواقع المختلفة تدل على أن كفة الرافضين للتعديلات هي الراجحة إلا أن الاستفتاء الفعلي جاء عكس ذلك تماما.

ثانيا: قد يتم توجيه نتائج استطلاعات الرأي ببساطة شديدة عن طريق صياغة أسئلتها أو إجاباتها بشكل متحيز. فقد يتم صياغة السؤال بشكل متحيز يضمن اختيار المجيب لإجابة معينة، على سبيل المثال يتم ذكر مميزات ما يتم السؤال عنه أو عيوبه فقط وبالتالي يجيب الشخص وهو غير مدرك لعواقب اختياره هذه الإجابة نظرا لعدم علمه بكافة جوانب الموضوع. وقد يحدث تحيز في الإجابات أيضا إذا لم يتم وضع جميع الإجابات الممكنة أمام المجيب، الأمر الذي يضطره إلى اختيار إجابة هي أقرب لما يريده وإن كانت ليست بالضبط ما يريده. ومن الجدير بالذكر أيضا في هذا الصدد أن ترتيب إلقاء الأسئلة يؤثر على الإجابات، فعلى سبيل المثال إذا تم سؤال الشخص عن معرفته بوجود الاستفتاء ثم سؤال من يعرف بأن هناك استفتاء عن نيته في المشاركة، فإن النتائج قد تختلف كثيرا إذا تم السؤال أولا عن النية في المشاركة حيث أن في الوضع الثاني قد يزيد عدد من يشيرون إلى نيتهم في المشاركة لأنهم قد يشعرون بالحرج من الإفصاح عن عدم علمهم بوجود استفتاء. وإذا بدأت في سرد أنواع تحيز الأسئلة وأمثلتها، فمن الممكن أن أفرد لذلك عدة مقالات، ولكن وجب التذكرة في هذا المقال البسيط بأن قارئ نتائج استطلاعات الرأي لابد وأن يكون على علم بالصياغة الأصلية للسؤال الذي تم إلقاؤه والبدائل التي كانت متاحة أمام المجيبين وترتيب إلقاء الأسئلة.

ثالثا: اتفق العاملين في مجال استطلاعات الرأي على عدة أمور يجب أن تكون منشورة مع نتائج استطلاعات الرأي لأهميتها بالنسبة للقارئ، وأذكرها سريعا هنا وهي: الجهة التي قامت بإجراء استطلاع الرأي، والجهة التي قامت بتمويله، وتاريخ إجراء الاستطلاع، وأداة جمع البيانات (مقابلة شخصية، تليفون، انترنت)، ونوع العينة التي أجابت على الاستطلاع وهل هي عشوائية أم لا حتى يمكن معرفة ما إذا كان يمكن تعميم نتائجها على المجتمع ككل أم لا، والمجتمع الذي تم سحب العينة منه على سبيل المثال هل هو مجتمع البالغين (18 سنة فأكثر)، أم مجتمع الشباب ..الخ، بالإضافة إلى ما يسمى بخطأ المعاينة – وهو تبسيطا رقم يعنى أن كل نتيجة من نتائج الاستطلاع المنشورة إذا تم تعميمها على المجتمع كله قد تزيد أو تنقص بمقدار هذا الرقم.
وأخيرا، أحب أن أشير إلى أن استطلاعات الرأي وإن كانت تقيس الرأي العام، إلا أنها قد تؤثر بشكل كبير على توجيه هذا الرأي العام. فقبل كل استفتاء أو انتخابات، دائما ما يوجد نسبة من المواطنين الذين لم يكتمل رأيهم بعد، وعند نشر نتائج استطلاعات الرأي مع ميلها بشكل واضح لأحد الاختيارات فغالبا ما يتجه جزء كبير ممن لم يقرروا بعد إلى الاختيار الغالب مما يعزز مرة أخرى من هذا الاختيار في الاستفتاء أو الانتخابات المجراة. لذلك لا يجب الاستهانة بهذه الأداة، والتي يراها البعض شديدة البساطة إلا أنها إن صُنفَت فسوف تُصنف مع ما يسمى …بالسهل الممتنع

الكاتب: شيماء قدري

تاريخ النشر: 26 أبريل 2014

رابط المقال: http://www.shorouknews.com/menbar/view.aspx?cdate=19102011&id=4ec62240-8f2d-4edc-9445-3477ee03abcd

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *